سورة الزمر - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)}
{يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار} التكوير اللف والليّ، ومنه: كوّر العمامة التي يلتوي بعضها على بعض وهو هنا استعارة، ومعناه على ما قال ابن عطية: يعيد من هذا على هذا، فكأن الذي يطيل من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزءاً فيستره، وكأن الذي ينقص يدخل في الذي يطول فيستتر فيه. ويحتمل أن يكون المعنى أن كل واحد منهما يغلب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في ستره له بثوب يلف على الآخر {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} يعني يوم القيامة.


{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)}
{خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم عليه السلام {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء خلقها من ضلع آدم، فإن قيل: كيف عطف قوله: {ثُمَّ جَعَلَ} على خلقكم بثم التي تقتضي الترتيب المهلة، ولا شك أن خلقة حواء كانت قبل خلقة بني آدم؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول وهو المختار أن العطف إنما هو على معنى قوله: {وَاحِدَةٍ} لا على خلقكم كأنه قال: خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها بعد وحدتها الثاني: أن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الوجود. الثالث: أنه يعني بقوله: {خَلَقَكُمْ} إخراج بني آدم من صلب أبيهم كالذر وذلك كان قبل خلقه حواء.
{وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} يعني المذكورة في الأنعام من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن البقر اثنين وسماها أزواجاً لأن الذكر زوج الأنثى والأنثى زوج الذكر. وأما {أَنزَلَ} ففيه ثلاثة أوجه: الأول أن الله خلق أول هذه الأزواج في السماء ثم أنزلها. الثاني أن معنى أنزل قضى وقسم، فالإنزال عبارة عن نزول أمره وقضائه. الثالث أنه أنزل المطر الذي ينبت به النبات الذي تعيش منه هذه الأنعام فعبّر بإنزالها عن إنزال أرزاقها وهذا بعيد {خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ} يعني أن الإنسان يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يتم خلقه، ثم ينفخ فيه الروح {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} هي البطن والرحم والمشيمة، وقيل: صلب الأب والرحم والمشيمة، والأول أرجح لقوله: {بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} ولم يذكر الصلب.


{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
{إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ} أي لا يضره كفركم.
{وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} تأويل الأشعرية هذه الآية على وجهين: أحدها أن الرضا بمعنى الإرادة، ويعني بعباده من قضى الله له الإيمان والوفاة عليه. فهو كقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42، الإسراء: 65]، والآخر أن الرضا غير الإرادة، والعبادة على هذا العموم أي لا يرضى الكفر لأحد من البشر، وإن كان قد أراد أن يقع من بعضهم فهو لم يرضه ديناً ولا شرعاً. وأراده وقوعاً ووجوداً أم المعتزلة فإن الرضا عندهم بمعنى الإرادة والعباد على هذا على العموم جرياً على قاعدتهم في القدر وأفعال العباد {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} هذا عموم، والشكر الحقيقي يتضمن الإيمان {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} ذكر في الإسراء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8